تكريم الجيش للأنصرافي: ظاهرة السقوط ما بعد المشروع الحضاري و تحلل المؤسسة.
- تكريم الجيش للأنصرافي: ظاهرة السقوط ما بعد المشروع الحضاري و تحلل المؤسسة.
احمد محمود..
مدخل للتفكير :
عندما يفكر الأنسان في الواقع الذي وصلت اليه مؤسسة عريقة مثل مؤسسة الجيش لتتحول لمجرد كيان هلامي يقف على رأسه قادة معتوهين يصاب بالدهشة لهذا التحول، مما يتطلب ذلك طرح السؤال الجوهري حول ظروف تحلل هذه المؤسسة و تفككها بعد حكم الاسلاميين للسودان حيث يقوم جيش البلاد و ضمن حالة غير مسبوقة لا في العسكرية و لا السياسة بتكريم شخص ما مجهول الهوية و ليست لديه صفة غير كونه( رداح) و هو الانصرافي حيث يحمل هذا الأسم دلالاته المبطنة و المرتبطة بأنحدار مضمون اللغة نفسها ضمن الحالة التي نعيشها….هذا الجيش بدلا من ان يكرم أسر الذين سقطوا في هذه المعارك او الجنود و الضباط الذين يقاتلون في ظروف سيئة يذهب ليكرم شخص مدني غير موجود في جبهات القتال و متخفي و يسيء للجميع، مما يعكس ذلك فقدان هذا الجيش الي المؤسسية و عدم امتلاكه خطاب اعلامي قوي حيث يعتمد علي شذاذ الآفاق من اجل توجيه معاركه مما يتحول معه هذا الجيش الي مجرد كتائب اخوانية تكرم الدبابين و المنفصمين المتحللين من أية قيمة، و هذا ما دفعنا لبحث هذه الظاهرة و معرفة من انتجها..
تجليات الظاهرة و انعكاساتها:
حسب علماء التاريخ فأن تطور البشرية يرتبط بحلقات في التطور، حيث و في الغالب تنتقل البشرية من مرحلة و عبر صراع طويل مع الطبيعية حتي يفرض الأنسان حضوره و يستطيع الأنتقال من من كائن يخضع للطبيعة الي كائن يخضع الطبيعة و يسخرها من أجل خدمته و من هنا نشأت الحضارة… و في المقابل عندما يعجز هذا الأنسان في فهم آليات التطور يقع في دائرة الانحطاط و هي الدائرة التي وقع فيها السودان بعد ان طرح الإخوان المسلمون مشروعا أطلقوا عليه المشروع الحضاري و حكموا من خلاله دولة السودان و التي وصلت في عصرهم الي اسوأ حالات التدهور و الانحطاط في كل شيء…إذن ما هي أوجه هذا الانحطاط؟
اولا: من أخطر انواع الانحطاط يأتي الفساد في اجهزة الدولة و من ضمن الأجهزة المهمة التي تم أفسادها هي مؤسسة الجيش و التي هي مدار حديثنا عبر هذا المقال و التي سنعود إليها لاحقا لتحليل ظاهرة تكريم الأنصرافي..
ثانيا: من أسوأ انواع الانحطاط هي تدهور القيم و الاخلاق، و يحدث هذا عندما يفتقد المجتمع النموذج المثال و عندما تتدهور الحياة الأقتصادية مع سيادة قيم جديدة هي قيم السوق القائمة علي النهب و السرقات..
ثالثا: يحدث الانحطاط عندما يفكر الانسان خارج العصر الذي يعيش فيه و بالتالي لا يستطيع امتلاك القوانين التي يفهم من خلالها التناقضات التي حوله. و لهذا يقول عبد المجيد سباطة (ان من يعيشون حاضرهم بمعزل عن سياقه و يتجاهلون الاستمرارية التاريخية و يفتقدون الثقافة قادرون علي تحويل وطنهم الي صحراء بلا تاريخ، بلا ذاكرة، بلا صدي و خالية من كل مقومات الجمال)..
اخيرا: يحدث الانحطاط عندما يتحول رجل الدين الي السياسة و يكذب بأسم الله ..و هذا ما حدث تماما في السودان و هو ما أبرز كل الظواهر السالبة التي نراها في المجتمع السوداني اليوم و ضمن هذه الظواهر تأتي ظاهرة الانصرافي و الذي ينتمي للمشروع الحضاري و يدافع عنه..و الحديث هنا ليس عن الأنصرافي الشخص لأني لا أعرفه و لكني اتحدث عن الأنصرافي الظاهرة المتفلتة و المتحللة عن اية قيم عدا القيم السوقية..هذا الرجل يأتي انعكاسا لظاهرة الاسلام السياسي في السودان و ما خلفته من انحطاط و علي كافة المستويات حيث يأتي الانصرافي و الذي يستشهد بآيات القرآن و لكنه يسب الجميع و يتعدي علي أعراض الناس و يهين كل شخص لا يتفق معه، هذه الظاهرة المرتبطة بالأنصرافي هي المنتوج لمصنع الاسلام السياسي..و هذه الظاهرة بالضرورة ليست فردية فهنالك أسوأ من الانصرافي ضمن منتوج الاسلام السياسي، لكن الإشكالية ان هذه الظاهرة و المتحللة عن أي معني يخرج جيش البلاد ليكرمها علنا، كيف حدث هذا؟ لقد حدث هذا لأن الجيوش الحديثة لديها ضوابط و لوائح صارمة في التعاطي مع كل الاحداث، و هذه الضوابط أفتقدها الجيش السوداني حين قرن تجربته بتجربة الإسلام السياسي في السودان ليصبح في هذه الحالة قائد كتيبة البراء الإسلامية اهم من القائد العام للقوات المسلحة و يتحول الأنصرافي لعنصر أهم من دائرة التوجيه المعنوي كله في الجيش و القوات النظامية حيث يتحول هذا الشخص الفرد كموجه لكل إجهزة الدولة و هو يشتم الجميع ضمن حالة لا يمكن وصفها الا بحالة تداعي القيم و انعدام البوصلة الحاكمة بين اجهزة الدولة، مما يمكن القول معه أنه لا توجد دولة بالمعني الحديث في السودان، إنما الذي نشهده هو عصر تحلل الدولة السودانية و صعود كهنوت السياسة الذين يعيشون في عصور غابرة، و لهذا لا بد أن يخرج الانصرافي من اللامكان ليسيطر علي الفضاء عبر اجهزة التكنولوجيا التي تتناقض مع العقل الذي نتحدث عنه وهو عقل الكهنوت..و لهذا و ضمن معاينة كلية فان الأنصرافي و كتائب البراء و الجيش هم حالة واحدة و التي يمكن أن نطلق عليها حالة الانحطاط في الواقع السوداني ليكتمل ذلك بغناء بعض القونات(فنانات الغناء الذي لا يحمل اي مضمون أو معني)للجيش لتتحول الحالة كلها الي دائرة السقوط في التيه و العدم و هي الحالة التي أنتجت كل هذه الظواهر و التي وراءها يقف تيار الإسلام السياسي و الذي يحاجج دوما بالباطل..