محاولة تفسيرية: إنتقال بعض ثوار ديسمبر من مقاومة الإسلاميون وقياداتهم في الجيش إلى مقاتلين في صفوفهم .!!
- محاولة تفسيرية: إنتقال بعض ثوار ديسمبر من مقاومة الإسلاميون وقياداتهم في الجيش إلى مقاتلين في صفوفهم .!!
الطيب علي حسن:
إنه من نافل القول أن نقرر: إننا خرجنا في ثورة ديسمبر لسببين رئيسين، أولهما؛ إسقاط النظام الإسلامي. وثانيهما؛ تأسيس دولة جديدة، تقوم على أسس حديثة؛ تقطع مع الصيغة القديمة للدولة التي أسست للظلم الاجتماعي والتهميش والحروب. وبعبارة أخرى فإننا كنا ننشدد تأسيسًا جديدًا للدولة. ولكن وبعد سقوط الشق المدني من الإنقاذ عقب 11/ أبريل، لم تكن الثورة قد نجحت بعد في تحقيق أي من أهدافها. فقد ظل نظام الدولة كما هو، فدخلت الثورة في صراع مباشر مع الجيش ممثلا في قيادته الإسلامية، وهم يمثلون الشق العسكري للإنقاذ الذي لم تستطع الثورة تغييره. ولم يكن هذا الصراع مقتصرا على التظاهرات في الشوارع والوقفات والمواكب، ولكنه أصبح على مستوى أعمق حيث وصل مستوى السلطة التنفيذية التي بدأت تتحرر من هيمنة الإسلاميين، وبدأت كذلك في ملاحقتهم عبر “لجنة إزالة التمكين” وغيرها من الأجسام التي كانت تؤرق الكيزان.
هذا الانتقال للصراع، والذي أصبحت في ظله مطالب الثوار في تناقض مع المؤسسة العسكرية، جعل الكيزان يخافون على سلطتهم الفعلية المتمثلة في المؤسسة العسكرية، ومن ثم رتبوا أنفسهم وأعدوا عدتهم، وعادوا إلى السلطة مجددًا عبر انقلاب 25/أكتوبر 2021م.
طوال فترة الثورة، أثبتت القوى السياسية المتمثلة في الحرية والتغيير -بشقيها- قبل الانقسامات، أنها أقل ثورية من الشارع والثوار. ففي حين كانت مطالب الثوار جذرية وليست إصلاحية، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الجنائية؛ كانت القوى السياسية تفاوض على صيغة سياسية تشاركية للحكم، هي في الأساس صيغة إصلاحية تجنبها الصدام مع المؤسسة العسكرية، وتضمن لها البقاء في السلطة. ذلك أنها كانت تفاوض على مصالح حزبية ضيقة بدلا عن التفاوض الجذري. وهذا بعينه ما أفقدها دعم الشارع والثوار في مراحل لاحقة. وهو خلاف سيستثمره الكيزان فيما بعد ضد تقدم -حاليا- ليضمنوا دعم بعض الثوار لحرب كرامتهم. وفي إطار هذا الخلاف ظهر الاتفاق الإطاري الذي كان بذرة شقاق بين الجيش والدعم السريع. ذلك أن الاتفاق الإطاري جعلهما في حالة تناقض.
وجدير بالذكر، أن 25/ أكتوبر، هي البداية الفعلية لعودة الكيزان إلى السلطة، وهذا ما فهمه حميدتي مبكرًا ودفعه للإعتذار عن المشاركة فيها، والمضي في دعم الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه الجيش قبله -دون إرادة الكيزان. ومن المعلوم أن الاتفاق الإطاري لم يكن مرضيا للكيزان، وبالتالي تحتم على قيادة الجيش أن ترفضه بعد موافقتها عليه. لحظتها حدث الإنقسام الفعلي بين الجيش والدعم السريع، وأصبح الأخير عقبة أمام الجيش والكيزان تحول دون عودتهم الكاملة إلى السلطة. وبمعنى آخر فإن الاتفاق الإطاري كان يقطع الطريق أمام عودة الكيزان. وبدعم حميدتي الذي يترأس قوات ليست مؤدلجة وذات استقلالية نسبية عن الجيش، تعقد عليهم الأمر. وكان لا بد من القضاء عليه وقواته. وقد كان من المتوقع -حسب دعايتهم- أن يقضوا عليه في أساببع فقط. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
إن الذي يحدث الآن، من تحول بعض الثوار إلى جانب الجيش والإسلاميين بعد أن ثاروا ضدهم، لا يمكن تفسيرة عبر القول فقط أنهم يؤمنون بمعركة الكرامة أو دفاعًا عن الوطن. ورغم أنها قد تكون أسباب البعض منهم للوقوف مع الجيش، إلا أنني أزعم هنا، أنه يمكن تفسير الاصطفاف على أنه تغيير مهول في مسار الثورة وفي طبيعة القوى الثورية والقضايا المطروحة. وهو مهول لدرجة أنه فك التناقض الذي كان بين بعض الثوار والجيش، وجعل الكثير منهم يقفون في خندق واحد مع الكيزان الذين ثاروا ضدهم. فما الذي حدث؟
بعد أن أثبت الدعم السريع كفاءة عسكرية عالية وهزم الجيش في العديد من الفرق والحاميات والمواقع والمعسكرات، وبات يهدد وجود دولة 56 ككل؛ لم يعد الجيش مُهددا وحده، فهنالك طبقات اجتماعية ذات صلة به وبالدولة واقتصادتها، أصبحت مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مهددة، فسقوط الدولة يعني سقوط امتيازاتها هي كطبقات مستفيدة من الدولة. وهي الطبقات الاجتماعية المدينية (الوسطى، صغار الملاك، كبار التجار، ..إلخ). وهي كذلك الطبقات التي ينحدر منها بعض الثوار، فثورة ديسمبر هي ثورة الطبقة الوسطى، ومن هنا معاداتها للقوى التقليدية. العداء الذي أدى في ما بعد، إلى تحول جزء كبير من هذه القوى التقليدية إلى حاضنة اجتماعية لانقلاب 25/ أكتوبر. وبكل بساطة، فإن وقوف بعض الثوار في خندق واحد مع الإسلاميين الذين ثاروا ضدهم، سببه هو وجود تطابق في المصالح الاجتماعية لهؤلاء الثوار والجيش (قيادته، والطبقات المستفيدة منه) الذي يقفون معهم. وقد كشفت هذه الحرب أن الخلافات السياسية عوامل ثانوية في ظل وجود مهدد وجودي للمصالح الاجتماعية، وهنا ولأن المصالح الاجتماعية واحدة ومهددة بالسقوط مع الدولة، تتضائل الخلافات الإيديولوجية بين الإسلاميين اليمنيين وبعض الثوار اليساريين الذي كانوا منحارين لثورة ديسمبر، حتى أنه يصعب التمييز بينهم من خلال مواقفهم السياسية.