عبدالرحمن الحوار يكتب: كل الانتفاضات الشعبية، هو صراع داخل بنية النخبة نفسها.
عبدالرحمن الحوار ..
قد يكون من أخطر الاكتشافات الصادمة حقيقة أن كل الانتفاضات الشعبية (ولا نقول ثورات) التي حدثت في أكتوبر ٦٤ وابريل ٨٥ واخيرا ديسمبر ٢٠١٨ هي من صنع النخبة المدنية العسكرية الحاكمة نفسها وليست ثورات او انتفاضات شعبية عفوية او غير عفوية .. هو صراع داخل بنية النخبة نفسها … اي داخل ال system وليس للشعب اي دور أصيل فيها غير استخدامه كوقود او وسيلة ضغط و ابتزاز سياسي يمارسه طرفا جهاز دولة ٥٦ ( العسكر والاحزاب ) علي بعضهما البعض ودائما تكون النتيجة الوصول الي تسوية ودية بينهما .. كل الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية عبارة عن صناعة احزاب .. هي آلية لنهب الموارد وتوزيع السرقة بنوع من ( العدالة ) بين مكونات تلك الطبقة المدنية العسكرية… فإذا إتاح هذا الانقلاب لبعض الفئات أن تغتني او تنهب فإن الانقلاب الذي يليه سيتيح للفئات الاخري التي حرمها الانقلاب الأول أن تكون لها الفرصة أن تنهب وتغتني … الحقيقة الصادمة هنا أيضا هي أن الأصل في التجربة السياسية السودانية هو الانقلاب المستمر علي الديمقراطية بواسطة الاحزاب نفسها …الهدف من كامل التجربة الوطنية هو نهب الموارد باستخدام جهاز الدولة … وسبب طول حكم الفترات العسكرية ليس مرده الي قوة العسكر ولكن لأنها افضل الفترات التي يسهل فيها النهب علي نطاق واسع يغطي احيانا غالبية الطبقة السياسية المدنية … لدرجة ان الانقلاب القادم يأتي فقط لضرورة تحديث وسائل النهب ومنح الفرصة لفئات جديدة لتشارك او لتحل محل تلك التي انهكتها التخمة وطول الأمد . في الحقيقة وفي العمق فإنه لايوجد اي فرق مطلقا بين مايسمي بالثورة والانقلاب …فكلاهما انقلاب و مخطيء من يظن أن الحياة الحزبية لم تكن موجودة أثناء حكم العسكر …بالعكس كانت موجودة علي الدوام … الديمقراطية ليست في مصلحة النهب لأنها ستجعل الشعب يكتسب الوعي و يكتشف الطبيعة النهبية للدولة… وتجعله يكتشف أن الاحزاب والعسكر هم نفس العصابة … وانه لكي يستمر النهب فلابد من منع تكون اية كتلة تاريخية شعبية واعية من الممكن أن تقوم بثورة حقيقية علي الوضع …فلذلك تسارع الاحزاب والعسكر معا للقيام بسرعة بالانقلاب وقطع الطريق علي اي ( ثورة حقيقية ) …ولكي لانذهب بعيدا فإن ماحدث في ديسمبر ٢٠١٨ عبارة عن انقلاب قصر قام به فصيل انقاذي ضد فصيل انقاذي اخر … كان انقلابا مرتبا له بدقة وتم تمويهه عبر استخدام اولاد قوش في ( تجمع المهنيين ) وعبر التمويل الكامل لاعتصام القيادة ومساهمة بعض أطراف الراسمالية الانقاذية ( أسامة داوود نموذجا ) … ومن سخريات القدر او تراجيدكومديات التاريخ أن أحد التفسيرات التي من الممكن تداولها بنوع من المنطق أن ماحدث في وجه من وجوهه لايعدو كونه (انقلاب شوايقة الإنقاذ علي جعلييها ) ..ولكن فات علي الجميع أن التسوية القديمة التي حدثت في اكتوبر وابريل بين الشق المدني والشق العسكري أصبحت عصية في ٢٠١٨ لظهور شق عسكري خشن جديد هو الدعم السريع الذي صنعه (كاداة ) جناح في الإنقاذ لحمايته من الأجنحة الاخري المحتملة… ولكن فات علي الذي صنعه أن الدعم السريع تجاوز ( شروط الاداة ) لان من شروط الاداة أن تكون أضعف عسكريا واقتصاديا واجتماعيا من صانعها …. ولكن الدعم السريع كان عكس ذلك …. اكبر خطأ أو أكبر( دقسة ) او ( خطيئة ) ارتكبها المركز هو صناعته للدعم السريع وتركه يتضخم حتي صار اقوي من جيش ٥٦ نفسه …اقوي من صانعه .. وكطبيعة اشياء لايمكن مطلقا أن يسمح هذا العملاق الجديد ( الدعم السريع ) لنفسه ان يتفرج علي (النخبة النيلية !!! ) وهي تنهب وتسرق وتغتصب و تقتل دون أن يتدخل… كل هدف الحرب الحالية التي اشعلتها نخبة ٥٦ هو إزاحة الدعم السريع لانه ( اربك المشهد ) وجعل التسوية عصية او مستحيلة …. هذا كل مايهم نخبة ٥٦ عسكرا ومدنيين … الخلاصة النهائية او الاستنتاج النهائي من كل هذا التحليل هو أن الشعب السوداني منذ ٥٦ لم يشعل اية ثورة حقيقية أصالة عن نفسه بل كان يتم استخدامه دوما بواسطة الطبقة السياسية – العسكرية القوية نسبيا … فهل الان بعد ان ضعفت تلك الطبقة ، يستطيع الشعب أن يفعلها اخيرا ؟؟!