إعلان نيروبي .. معالجة اختلالات تأسيس الدولة السودانية.

135

إبراهيم مطر ..

إعلان نيروبي .. معالجة اختلالات تأسيس الدولة السودانية.

أعاد الإعلان الموقع بين رئيس الوزراء السوداني السابق “عبد الله حمدوك”، وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال “عبد العزيز الحلو”، وقائد حركة تحرير السودان “عبد الواحد محمد نور” السبت الماضي، أعاد للأذهان ما ظل الكثيرون من رافضي الحرب يرددونه، من ضرورة معالجة الاختلالات التي صاحبت تأسيس الدولة السودانية، وأكد الإعلان ما توصلت إليه الحكمة السودانية الباذخة، حين أقرت العودة لمنصة التأسيس، إذا أردنا تجاوز أخطاء الماضي، وأن تكون فاجعة أبريل هي آخر الحروب، في وطن تكاثرت عليه الخطوب.

ودخل الاتفاق الموقع في العاصمة الكينية نيروبي لحلول الأزمة من المدخل الصحيح، حين دعا لوقف الحرب أولاً، والمحافظة على وحدة السودانيين الطوعية والمتوافق عليها، في ظل حكم ديمقراطي لامركزي يجنب البلاد مخاطر الانقسام.

ودعا الإعلان الطرفين المتحاربين في السودان للوقف الفوري لإطلاق النار تمهيدا للوقف الدائم للحرب، والتعاون الجاد وبإرادة حقيقية مع الجهود الاقليمية والدولية بما في ذلك منبر جدة، كما دعاهما للالتزام التام بمسئوليتها امام القانون الدولي الإنساني بإزالة كافة المعوقات امام العون الإنساني، والسماح بمرور المساعدات عبر دول الجوار وعبر خطوط المواجهة، بحيث تصل لكل المواطنين دون عوائق، مع توفير الحماية لكل العاملين في الحقل الانساني من منظمات دولية ومحلية، وهي ضرورات نصت عليها صيحات المشفقين من دول العالم والإقليم، وقبلهم من السودانيين في الداخل، على الرغم من كونها لم تنل من فقهاء آخر الزمان الفسقة خاطرة التفاتة.

أما ضرورة أن تلتزم الدولة بالتنوع التاريخي والمعاصر، وأن تقوم المواطنة على الهوية السودانية الخالصة دون تميز بسبب العرق أو الدين واللون واللغة والجهة، فهي مما دعت له كافة ما تواثق عليه الناس من مواثيق في أوقات السلم وإعمال الحجة والعقول، كلما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وابتعد الفاسدون والديكتاتوريون من سدة الحكم.

وفي بلد عامر بالتنوع الديني والعرقي والثقافي، يكون تأسيس دولة علمانية غير منحازة تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات من الضرورات، بل هي مما ليس منه بد لتأسيس وطن معافى ينأى عن الفرقة، وينصرف فيه الناس لما يجمع من مصلحة مشتركة، وتنمية متوازنة لا تستثني بلدة دون أخرى، ولا تشعر فيه المجتمعات السودانية – قل عددها أو كثر – بالضيم أو الظلم والتهميش، مما يشكل وصفة صحيحة لصناعة حروب جديدة، ويؤخر محاولة اللحاق بركب الأمم بصورة جادة، بعد أن طالت بنا سنوات التخلف والذيلية “وشوف اشمعنا نحن مرقنا قدمنا الشعوب الحرة في درب النضال ورجعنا”.

ويضع إعلان نيروبي الأصبع على الجرح، حينما يقرر تأسيس منظومة عسكرية وامنية جديدة، وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً، تفضي إلى جيش مهني وقومي واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية جديدة يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقا للدستور، وأن يكون ولاؤه للوطن ويعبر عن كل السودانيين وفقاً لمعيار التعداد السكاني، وينأى عن العمل السياسي والنشاط الاقتصادي بصورة كلية، وهو ما صار من المسلمات في عالم اليوم، حين بانت سوءات الحكم العسكري في السودان، وسنواته الكبيسة التي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت. خاصة حينما تمت أدلجة الجيش السوداني في عهد الحركة الإسلامية الكالح والبئيس، فابتدأت بتدمير المؤسسة العسكرية نفسها، فتعمل في الشرفاء من منسوبيها القتل والتشريد، ولم تترك سوى أولئك الجنرالات الفسدة – أصحاب البطون الكبيرة – من عضوية الحركة الإسلامية الشوهاء، والذين أدخلوا البلاد في أتون حرب صنعتها أيديهم، فأخذت منهم الملامح والصفات حين اتسمت بالقذارة والغدر والخيانة، وكانت بلا شك أكبر جرائمهم في رحلة بحثهم العبثي عن النجاة بكل ما اقترفت أيديهم من فظاعات.

ولكل ما سبق فقد كان من المنطقي والمعقول أن يشدد الإعلان على ضرورة أخذ الجذور التاريخية للازمة التي صاحبت الإدارات الوطنية منذ رحيل المستعمر في الاعتبار، والتي حالت دون تحقيق تطلعات أبناء وبنات السودان في وطن تسوده الوحدة والسلام والاستقرار والازدهار، ويسع جميع أبنائه بتنوعهم الفريد. وهنا تحضرني عبارة لقائد قوات الدعم لا تخلو من حسرة حين قال:(اتأخرنا كتير يا جماعة).

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *