الوليد آدم مادبو يكتب: “الكلاب الضآلة”.!!
د. الوليد مادبو..
من غيرهم يجترئ على المقدس فيرمي الحِمم على رؤوس الآمنين في غرب البلاد ويغتال الشباب الوادعين في شرقها دون جريرة ارتكبوها غير رفضهم لنظام الإنقاذ؟ هذا النظام الآثم الذي أطالت من أمده “الكلاب الضآلة” التي سعت لاغتيال حُلم الشباب إذ ظلت تتآمر على دولة القانون وتسخر من نُشدان الشعب لحاكمية الدستور. ليس أخطر على الشعب من صحفي أو صحفية تقتات من قول الزور، تُجير الحقيقة وتتزلف للقادة الأمنين الذين هم عبارة عن قتلة محترفين. سينجلي هذا الليل وإن طالت نوازله وسيمثُل القتلة أمام القضاء وينالوا قسطهم من القصاص العادل. وحينها سينتهي دور الكلاب الضآلة التي تريد أن تطيل من أمد الحرب السودانية لحاجة في نفس يعقوب.
لا يتورع الصحفيون المنحطون عن لعب دورٍ رئيسيٍ في ترويج الدعاية الرسمية للنظام القمعي. وفقًا لغيوبن يانغ تستخدم الأنظمة الاستبدادية وسائل الإعلام كأداة للتحكم والتلاعب بالرأي العام من خلال نشر روايات تخدم مصالحها. غالبًا ما يتعمد الصحفيون الذين يفتقرون إلى النزاهة المهنية إلى التغطية المنحازة للأخبار. يُظهر كتاب لإدوارد هرمن ونعوم شومسكي عن دور الميديا في صنع الوفاق الجمعي قسراً كيف يتم تحريف الحقائق أو تجاهلها لتقديم رواية تتماشى مع الخطاب الرسمي، مما يساهم في تضليل الجمهور. يخلق الصحفيون بيئة من الخوف والتهديد من خلال نشر تقارير تشهيرية أو تقديم معلومات مضللة عن الأفراد أو الجماعات المعارضة. كما تبرز دراسة لليزا ماكلفن كيف يتم استخدام الإعلام كأداة لتشويه سمعة المعارضين وزرع الخوف بينهم.
من الأساليب المتبعة أيضاً تضخيم الإنجازات والأخبار الإيجابية المتعلقة بالنظام بينما يتم إغفال أو تقليل حجم الأخبار السلبية، نشر إشاعات وتفاصيل مضللة حول الأعداء السياسيين أو المعارضين لتشويه سمعتهم، وتقييد وصول الصحفيين المستقلين إلى المعلومات أو المصادر، مما يضمن عدم توفر رؤى متنوعة للمجتمع. من بين التداعيات الخطيرة التي يحدثها الصحفيون المنحطون تآكل الثقة في وسائل الإعلام، تعزيز الاستبداد، وإضعاف المجتمع المدني. تؤدي ممارسة الصحفيين المنحطين إلى تآكل الثقة في وسائل الإعلام كمصدر موثوق للمعلومات، تسهم الدعاية المضللة في تعزيز الاستبداد من خلال إدامة سيطرة النظام على المعلومات والتحكم في الرأي، كما تضعف الأنظمة القمعية جهود المجتمع المدني والمعارضين، مما يقلل من فرص التغيير والإصلاح، وهو ما تبرزه الدراسات الأكاديمية حول تأثير الإعلام على المجتمع المدني.
رغم القيود الكبيرة التي تواجه الصحافة المستقلة في بيئات قمعية، فإن الابتكار، التعاون الدولي، الدعم المنظم، والتدريب يعزز من قدرتها على التغلب على التحديات. من خلال هذه الأمثلة، نرى كيف أن الصحفيين المستقلين والمجموعات الداعمة لهم يواصلون تقديم تقارير حيوية وموثوقة تحت ظروف صعبة، مما يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة.
استخدم الصحفيون الوطنيون التكنولوجيا في ظل الأنظمة القمعية كأداة لمواكبة الأخبار ونقل المعلومات إلى العالم. في سوريا، على سبيل المثال، لعبت منصات مثل “فيسبوك” و”تويتر” دورًا كبيرًا في نشر أخبار الثورة السورية ومشاركتها مع المجتمع الدولي. قامت مجموعات مثل “المرصد السوري لحقوق الإنسان” و”شبكة شام الإخبارية” بجمع وتوزيع المعلومات من المناطق التي يصعب الوصول إليها، مما ساعد في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتقديمها إلى وسائل الإعلام العالمية.
شهدت الأزمة الحالية في السودان تعاونًا كبيرًا بين الصحافة السودانية المستقلة ووسائل الإعلام الدولية. على سبيل المثال، عمل صحفيون سودانيون مع قنوات مثل “الحدث” و”الجزيرة” لنقل الأخبار الحية حول الانتهاكات التي يقوم بها طرفي النزاع والمعاناة الحقيقة التي يعيشها الشعب في ظل الانفلات الأمني والوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة. هذا التعاون ساعد في زيادة التغطية الإعلامية وتوفير منصة للصحفيين السودانيين لنقل رواياتهم إلى جمهور عالمي أوسع. بيد أننا نلحظ إصراراً من أعضاء العصابة الحاكمة، والتي أدمنت حيل نظام الإنقاذ، على بث خطاب ديماغوجي يزيد من حالة الاستقطاب الذي يقسّم المجتمع إلى فسطاط وطني وآخر يعمل وفق موجهات خارجية ويتلقى معونات من دولة أجنبية.
أنظر كيف صمتت “الكلاب الضآلة” عن مقتل مئات الألاف من المواطنين في الريف السوداني طيلة الثلاثة عقود، كيف بجّلوا جريمة “فض الاعتصام”، كيف مهدوا للانقلاب وها هم هؤلاء “المكريون” (من الكراء الذي هو الاستئجار في اللغة الفصحى والرشوة في اللغة العامية) يحتفون بالحرب التي شردت الملايين ويريدوننا أن نفاضل بين فصيلين إذا اتفقوا قتلونا وإذا اختلفوا مقتونا، سحلونا ورموا الراجمات من فوق رؤوسنا. لا نريد عسكراً يمتهنون السياسة والتجارة والعمالة بعد اليوم، نريد وضعاً دستوريا يمتثل فيه العسكريون المحترفون المهنيون للإرادة السياسية الوطنية. إذا لم تفهم “الكلاب الضالة” هذا الأمر على بساطته فيسعني أن أعقد لهم دروساً خاصة أو احيلهم إلى مراجع موثوقة ومقروءة.
ختاماً، ها هم الصحفيون المنحطون يأتمرون بإمرة جهاز الاستخبارات الذي يعطي الموجهات ويصرف الشيكات “للكلاب الضآلة” للترويج لرواية “الجيش الوطني” الذي أصبح بعد مجيء الإنقاذ عبارة عن مليشيا عقائدية تعمل وفق موجهات أقلية عرقية دأبت على سرقة موارد الريف السوداني وتعمّدت على تلهية شبابه وتسليتهم بخوض حروباً عبثية أثرت سلباً على التكامل الإيكولوجي وساهمت في تدمير التوافق المجتمعي. أتألم جدّاً عندما أتذكر الشلالي وهو يفضل الموت على الانبطاح أرضاً لكونه ضابط عظيم، فيما يمتثل “أخوان نسيبة” لتقليد أصوات البهائم من أغنام وأبقار(ميييييع وباااااااع). وقد يلوذ أحدهم بالاستكانة والصمت عندما يسأله أحد الأشاوس (اللقب أطلقنه عليهم أخوات نسيبة): “لقيت المعاملة كيف؟” وأثبته الواقع الذي رأى فيه “أخوان نسيبة” نجوم القايلة بعد أن ظنوا إنها حرباً لن تستغرق أكثر من بعض سويعات!
مَن منّا يجب أن يحزنه انهزام الجيش: نحن الذين خدم أعمامنا وأخوالنا في هذه المؤسسة العريقة العظيمة، أخلصوا لها وأعطوها زهرة شبابهم، وماتوا دون أن يكون لأحدهم بيتاً يأوي عياله أم أنتم الذين سرقتم قوت ذات المسكين وأحلتم الجيش إلى مافيا يستغل قادتها مطارات الحاميات لتهريب المخدرات. هلا سألتم قائدكم عن الرشاوى التي ما زال يتلقاها من ميرغني إدريس؟ مَن منا يجب أن تحزنه هزيمة الجيش: نحن الذين أصبحت قبور أسلافنا شاهداً على حدود الوطن بحدوده الأربعة أم أنتم الذين ارتضيتم الدنية في دينكم وبتم تدينون بالولاء لشلة من الجبناء الذين زهدوا في الوطن وآثروا الاستثمار في غيره والإباء؟