من بورتسودان إلى لاهاي .. جيش “البرهان” بين السلاح “المحرم” والدعاوى “الفارغة”!

“في زمنٍ تتوارى فيه الحقيقة خلف دخان المدافع يعيش السودان فصلاً مأساوياً جديداً من تاريخه الدموي .. حرب طاحنة تدور رحاها بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حصدت أرواح آلاف المدنيين وشردت الملايين، فيما تستمر المعاناة الإنسانية وسط تدهور شامل في الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية، ورغم هذا المشهد الكارثي، يصر الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان على الترويج لرواية رسمية تصوره كضحية لتدخلات خارجية، في محاولة لتبرئة ساحته من الانتهاكات الموثقة، وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي. إلا أن التقارير الحقوقية والأممية تشير إلى أن القوات المسلحة السودانية ليست فقط طرفاً مباشراً في النزاع، بل تتحمل مسؤولية كبيرة عن توسيع رقعة العنف والانتهاكات واستهداف المدنيين”
تقرير – بلو نيوز الإخبارية
انتهاكات ممنهجة .. وتوثيق دولي يدحض الرواية الرسمية
بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مستقلة، ارتكبت القوات المسلحة السودانية سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شملت؛ قصف المناطق المدنية باستخدام المدفعية الثقيلة والطيران الحربي، ما أدى إلى مئات الضحايا في مدن مثل أم درمان، نيالا، وود مدني، وتجنيد الأطفال في صفوفها ضمن معسكرات تدريب تفتقر لأدنى معايير الحماية، واستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف وبروتوكولات حماية المدنيين، اضافة الى استخدام أسلحة محظورة دولياً، بينها تقارير استخباراتية حول استخدام أسلحة كيميائية في مناطق مأهولة بالسكان، خصوصاً في ولايتي الخرطوم ودارفور.
وتبرز هنا شهادات موثقة من نازحين وناجين، إضافة إلى صور أقمار صناعية وتحليلات ميدانية، تؤكد تعمد القوات الحكومية استهداف منشآت مدنية مثل المستشفيات والمدارس ومخازن الغذاء، في ما يبدو أنه سياسة ممنهجة لإخضاع المجتمعات المقاومة أو التي تقع تحت سيطرة خصومهم العسكريين.
“سلاح المجاعة” .. خنق للمدنيين وخرق للقانون الدولي
مع دخول الحرب عامها الثاني، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 30 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في حين يتهم الجيش السوداني باستخدام التجويع كسلاح حرب من خلال؛ منع وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق معينة، إغلاق الطرق والمعابر المؤدية للمناطق المحاصرة، واستهداف قوافل الإغاثة وعرقلة عمل المنظمات الدولية.
ورداً على هذه الممارسات، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في يناير 2025 فرض عقوبات مباشرة على الفريق أول عبد الفتاح البرهان، شملت تجميد أصوله ومنعه من التعاملات الدولية، بسبب تورطه في استخدام “سلاح المجاعة” كوسيلة للضغط العسكري والسياسي.
محاولات للهروب من المحاسبة ودعاوى بلا مضمون
وفي الوقت الذي تتراكم فيه الأدلة على الانتهاكات، تحاول قيادة الجيش السوداني تصدير خطاب موجه يحمل أطرافاً خارجية مسؤولية ما يجري، وضمن هذا التوجه، تقدم السودان بشكوى ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، متهما إياها بالتدخل في النزاع.
إلا أن محللين دوليين يرون في هذه الخطوة محاولة مكشوفة لـ”تبييض سجل من الدم”، ووسيلة لتأخير أي مساءلة دولية فعلية، خصوصًا في ظل التقارير المتزايدة حول جرائم حرب وتهريب أسلحة وصفقات سرية مع أطراف إقليمية مثل إيران وروسيا.
دعم خارجي مشبوه .. وتسليح يفاقم الأزمة
تشير معلومات استخباراتية وصحفية متقاطعة إلى وجود تنسيق عسكري بين الجيش السوداني ودول مثل إيران، روسيا، والصين، مقابل وعود بمنح امتيازات في الموانئ والسواحل السودانية.
ووفقا لتحقيقات نشرتها صحيفة إيران إنترناشيونال، وصلت شحنات أسلحة من طهران إلى بورتسودان، تضمنت طائرات مسيّرة وصواريخ موجهة، في خطوة من شأنها إطالة أمد النزاع وتدويله، بدلًا من احتوائه.
الإمارات .. التزام إنساني في وجه العاصفة
وعلى الضفة المقابلة، حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على نهج إنساني واضح منذ الأيام الأولى للأزمة، فقدمت مساعدات إغاثية عاجلة بالتعاون مع منظمات دولية كالهلال الأحمر والصليب الأحمر، واستمرت في إرسال شحنات غذائية وطبية إلى مختلف الولايات السودانية.
كما أكدت الإمارات، في بيانات رسمية، رفضها القاطع لأي تدخل في الشأن السوداني الداخلي، ونفت تقديم أي دعم لطرف مسلح، متمسكة بسياسة الحياد والدعوة للحل السلمي.
وخلال الاشهر الأخيرة، قدمت الإمارات ما يزيد عن 3.5 مليار دولار كمساعدات للشعب السوداني، منها 600 مليون دولار منذ اندلاع الحرب الحالية، شملت دعم اللاجئين، والنازحين، ومراكز الرعاية الصحية والتعليم.
ورغم هذا الدور الحيوي، تجاهل الجيش السوداني كل المبادرات التي طرحتها الإمارات، بما في ذلك دعوات السلام ومفاوضات جدة، ما أثار تساؤلات حول نوايا قيادته تجاه أي حل سياسي.
ويبقى صوت الحقيقة في السودان محاصراً بين جدران التعتيم الإعلامي والآلة العسكرية، فبينما يحاول الجيش السوداني رسم صورة مضللة أمام المجتمع الدولي، تستمر الانتهاكات على الأرض في حصد الأرواح وتدمير المستقبل.
لقد بات واضحا أن أي حل سياسي حقيقي يتطلب وقفاً فورياً للانتهاكات ومساءلة عادلة للمسؤولين عنها، بعيداً عن خطاب المظلومية والتلاعب بالمواقف الدولية ولأن السودان بكل أطيافه لا يحتاج إلى المزيد من الدماء، بل إلى ضوءٍ في آخر النفق يعيد له كرامته ووحدته وأمنه.