من الحرب إلى الحكم: بورتسودان تكافئ مجرمي الحرب .. هل يسعى البرهان لتمكين الإسلاميين عبر “تمدين” المليشيات؟

بلو نيوز الإخبارية – بورتسودان
أثارت تسريبات صحفية بشأن التشكيلة المرتقبة لحكومة بورتسودان الجديدة، برئاسة الدكتور كامل إدريس، حالة من الغضب والجدل الواسع في الأوساط السياسية السودانية، بعد الحديث عن نية الحكومة ضم قادة مليشيات متهمين بارتكاب جرائم حرب ضمن التشكيل الوزاري المتوقع الإعلان عنه الشهر المقبل.
أسماء مثيرة للجدل
من أبرز الأسماء التي طُرحت في هذه التسريبات، أبو عاقلة كيكل، قائد إحدى المليشيات المسلحة، إلى جانب قيادي لم يُكشف عن اسمه ينتمي إلى ميليشيا البراء بن مالك المرتبطة بتنظيمات إسلامية، وجاء ترشيحه بحسب التسريبات عبر اللواء ياسر العطا، أحد أبرز مساعدي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
وتعد هذه الخطوة، وفقًا لمراقبين، محاولة واضحة لـ”تمدين” المليشيات عبر دمجها في السلطة الانتقالية، وتمكين عناصر إسلامية ذات خلفيات عسكرية، ما يهدد بإعادة تدوير الوجوه القديمة التي ارتبطت بأنظمة الحكم القمعية في السودان.
تحدي للولايات المتحدة؟
تشير بعض التحليلات إلى أن هذه التعيينات قد تُفسر كنوع من التحدي المباشر لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خصوصًا بعد فرض عقوبات أمريكية على قيادات عسكرية سودانية بسبب انتهاكات جسيمة، من بينها استخدام أسلحة كيميائية في النزاع الدائر، ما يعكس، بحسب محللين، يأسا متزايدًا من إصلاح العلاقة مع واشنطن.
مخاوف من تغول المليشيات
الصحفي والمحلل السياسي محمد لطيف وصف الحكومة المرتقبة بأنها “حكومة المناقرة”، في إشارة إلى الصراع المحتمل بين الفصائل المسلحة المتحالفة شكليًا، مؤكدًا أن المليشيات ستبقى فاعلًا رئيسيًا يؤثر في القرار الحكومي، سواء عبر الابتزاز السياسي أو النفوذ العسكري، في ظل غياب آلية شفافة لتشكيل الحكومة بعيدًا عن نفوذ السلاح والاتفاقات السابقة.
كامل إدريس في مأزق
من جانبه، يرى المحلل السياسي د. زهير السراج أن كامل إدريس “ورّط نفسه” بقبول منصب رئيس الوزراء في ظل عدم وجود شرعية حقيقية للسلطة الحالية، واصفًا إياه بأنه سيكون مجرد “دمية” بيد العسكريين، في حكومة لا تحظى بأي اعتراف دولي يُذكر. وتوقع السراج أن تضم الحكومة شخصيات إسلامية غير معروفة لعامة الناس، بتمرير من قيادات نافذة في النظام السابق، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام تكرار تجربة الحكم القائم على المحاصصة الأمنية والإقصاء السياسي.
البرهان في مواجهة الخوف المزدوج
بدورها، اعتبرت الكاتبة الصحفية رشا عوض أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أسير “خوف مزدوج”: من الإسلاميين المتغلغلين في مفاصل الدولة، ومن المجتمع الدولي الرافض لعودتهم. وأضافت أن البرهان يسعى عبر هذه التعيينات إلى إرضاء عدة أطراف في آن واحد، بينها الإسلاميون، وبعض قادة الحركات المسلحة، في محاولة لترميم سلطته الآخذة في التآكل، لكن من غير المرجح أن ينجح في تشكيل حكومة ذات فاعلية.
مخاوف داخلية ورفض دولي
في سياق متصل، وصفت جهات سياسية سودانية الخطوة بأنها محاولة لإضفاء شرعية شكلية على حكومة أمر واقع، في وقت تعاني فيه البلاد من حرب أهلية مستمرة وانهيار مؤسسات الدولة، مؤكدة أن “توزير مجرمي حرب” يشكل خطًا أحمرًا للمجتمع الدولي، الذي سبق وأن رفض أي ترتيبات سياسية لا تستند إلى مشروعية الثورة أو توافق مدني واسع.
خلاصة المحرر
تبدو الخطوة المحتملة لتعيين قيادات مليشيات في الحكومة الجديدة بمثابة رسالة تصعيد سياسية من بورتسودان إلى الداخل والخارج. فهي من جهة تستهدف إرضاء الحلفاء المسلحين من الحركات والإسلاميين، ومن جهة أخرى تمثل تحديًا لمطالب المحاسبة والعدالة الانتقالية التي ترفعها القوى المدنية والمجتمع الدولي. ما ينتج عنه حكومة مُحمّلة بالتناقضات، يُرجّح أن تواجه مصيرًا مشابهًا للحكومات السابقة: العزلة، الفشل، وعدم الاعتراف.
نقلا بتصرف عن صحفية إدراك