التصعيد العسكري .. هل وصل السودان المرحلة الداعشية .؟

55

تصريحات متضاربة تخرج من قادة الجيش في كل مرة، تحمل هذه التصريحات أحيانا قبول التفاوض حول وقف الحرب المستمرة في السودان منذ عشرة شهور، وأحيانا يضعون الحجج قبل ذلك، وكثيرا ما يجاهرون ويتباهون برفضهم الجلوس مع قوات الدعم سريع، ويجلسون معهم سرا.

يحدث ذلك مع مزاعم كبيرة بعدم وجود رغبة وقناعة تامة من طرفي الحرب في إيقافها وبروز خطابات عدائية حادة من قادة القوتين المتحاربتين على خلفية فشل عدد من المبادرات والوساطات في إيقاف الحرب في السودان على الرغم من الجهود المكثفة التي يبذلها الوسطاء في كل منبر… فما هي حقيقة الموقف في ظل التصعيد المتبادل وما نشر مؤخرا من فيديوهات لذبح عناصر تتبع الدعم السريع؟

راينو: بلو نيوز الإخبارية –

إصرار على الحرب:

في أماكن متفرقة، وأمام عدد من الضباط والجنود، خاطب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان جنوده قائلا إنه “لا صلح ولا اتفاق” مع قوات الدعم السريع، متعهدا باستمرار الحرب، وأن التعامل مع قوات الدعم السريع سيكون على الأرض، شاركه في ذلك نائبه شمس الدين الكبايش الذي شدد في أكثر من خطاب على أن الجيش سيمضي في الحسم العسكري وأنه لا فتح لأي ملف سياسي قبل إغلاق الملف العسكري…

آخر تصريحات قادة الجيش جاءت على لسان عبد الفتاح البرهان، السبت، قال فيها إن الجيش السوداني لن يترك السلاح إلا بعد القضاء على المتمردين “، في إشارة إلى قوات الدعم السريع. ووفق بيان من الجيش السوداني، أضاف البرهان خلال مخاطبته ضباط وجنود” الفرقة الثالثة مشاة “بمدينة شندي في ولاية نهر النيل:” معركة الكرامة مستمرة حتى دحر هذا التمرد ومن عاونهم نهائيا “. داعيا في الوقت ذاته قوات الدعم السريع إلى” الاحتكام لصوت العقل والخروج من ولايتي الجزيرة والخرطوم، وأضاف: “طالما أنكم تقتلون وتنهبون وتسرقون فلا مجال للحديث معكم إلا بعد انتهاء المعركة”.

ولم تنجح عديد من المبادرات بما في ذلك المبادرة الاخيرة الايقاد بالجمع بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، تمهيدا لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات.

والجمعة أعلن الجمعة نجاح المرحلة الأولى من خطة “القضاء” على قوات الدعم السريع في مدينة أم درمان، وهو الامر الذي سخر كمنه الكثير باعتبارها ليست المرة الاولى التي يتم بث فيديوهات وتصريحات تتحدث عن انتصارات تكشف الايام كذبها.

في المقابل بد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” في آخر ظهور له، أكثر تشددا حول خطاب قائد الجيش الذي حمل لهجة التصعيد، وقال “حميدتي” إن قوات الدعم السريع ستحسم الحرب في الأيام المقبلة بعد رفض الجيش لخيار الحل السلمي “ووجه جنوده بمواصلة القتال بضراوة في كل المحاور.

وهذا ما قلل منه خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية اللواء أمين مجذوب، ولفت اسماعيل في حديثه ل (راينو) إلى أن قائد قوات الدعم السريع يهدف إلى رفع الروح المعنوية لقواته التي تلقت هزائم متتالية في مدينة أم درمان، بحسب قوله.

تكتيك داعش:

المعركة بشكلها المعتاد والمألوف انتقلت الى مربع جديد عقب بث فيديوهات لافراد يتبعون للجيش بمعية ضابط يحملون رؤوسا لأفراد تم ذبحهم باعتبارهم يتبعون الدعم السريع وسط تكبيرات وهتافات فرحة وسعيدة، وتهديد بأن يكون ذلك المشهد مصير زملائهم، وهو المشهد الذي عابه السودانيون وادانته الكثير من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني باعتبار أن ذلك يتجاوز كل اعراف وتقاليد واخلاق المجتمع السوداني.

وسارعت قوات الدعم السريع باصدار بيان ادانت فيه السلوك الذي وصفته بالاجرامي والبربري لمليشيا البرهان وكتائب النظام البائد الإرهابية، بذبح ثلاثة أشخاص على أساس عرقي وجهوي والتمثيل بجثثهم في مشهد يشبه السلوك الإجرامي لهذه المجموعات المتطرفة وينافي الأخلاق، والمروءة، والدين، والقوانين. وطالبت قوات الدعم السريع المجتمع الدولي والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان لإدانة هذه الانتهاكات، واضافت: الدعم السريع يحتجز عشرات الآلاف من مليشيا البرهان، لكنه لن ينجر وراء هذا السلوك غير الإنساني والانتقاص من حقوق الأسرى..

تحليلات عديدة ترى أن تعدد الفيديوهات والمشاهد التي تمارس فيها عمليات الاحتفال بذبح الاسرى والتمثيل بجثثهم تكاثف مؤخرا بهدف خلق احتقان اجتماعي باعتبار أن المستهدفين من قبل الجيش بتلك العمليات ينتمون لاثنيات وجهويات معينة، بالتالي سيخلق ذلك اصطفاف اجتماعي واهلي لمواجهة ذلك ، بما يخدم خط فلول النظامالمباد في استمرار الحرب من جهة ونقلها ثانيا الى مستوى الحربي الاهلية بين المكونات السودانية، وهو ما يؤكد المحلل السياسي أيهاب محمد الحسن في حديثه لـ(راينو) بأن التةقيت نفسه يكشف حجم الموامرة ، فكلما كانت هناك تحركات دولية او اقليمية او تصاعدت تيارات داخل الجيش تريد التفاوض ، تبرز مثل تلك التصرفات حتى يحدث نوع من الغليان والغضب بالتالي تضيق فرص قبول اي مقترحات حل في القريب كحد أدنى.

ويذهب الحسن الى التأكيد بأن السلوك المتطرف بالذبح والتمثيل بالجثث بدا منذ فترة طويلة في الحرب، بدليل ما حدث في منطقة الثورة شهر يوليو من العام الماضي عندما قامت عناصر من الاستخبارات بذبح أحد الاشخاص وسط المواطنين وقالت أنهم من عناصر الدعم السريع، لتشتعل معارك بعد عدة ايام في ذات المنطقة ليتفجأ العالم ببيان اثناء المعركة للدعم السريع يعلن فيه بشكل واضح عدم وجود قوات له في تلك المنطقة بتاتا، واضاف: كان ذلك دليلا على محاولات الايحاء بمصير من سيقع في يد الجيش، منوها الى أن الا سلاميين والدواعش والقاعدة منذ وقت مبكر دخلوا هذه الحرب الى جانب الجيش بالتالي فإن من يقوم بتلك الممارسات بالتأكيد متأثر بثقافة التطرف هذه.

تحليلات أخرى ترى أن الدعم السريع ونتيجة لابدائه في أكثر من مرة حرصه على انهاء الحرب سواء ببقاء مفاوضيه في جدة أو من خلال جولات قيادته في المنطقة الافريقية وقبوله بأي مبادرات شرط ان تكون اللقاءات مع قيادة الجيش على مرأى ومسمع من الجميع، بالتالي لم يكن امام الجيش لرفع الحرج عن نفسه سوى ان يعمل على استفزاز الدعم السريع بمستوى يفوق التوقعات ليكون خيار التفاوض مرفوضا من قبل قيادته، باستخدام حوادث الذبح والتمثيل بجثث منسوبي الدعم السريع وبث الفيديوهات المستفزة، لتحدث حالة من السخط الجماعي في صفوف جنود الدعم السريع ومن ثم يصعب على قيادة الدعم السريع الموافقة على التفاوض في ظل الاحتقان الذي تسببت فيه تلك المشاهد وبالتالي اذا وافقت قيادته على التفاوض تحدث انقسامات في صفوف هذه القوات.، اى أنها محاولات من الفلول والمتطرفين لقطع الطريق على الدعم السريع حال فكر في قبول اي مبادرات لايقاف الحرب.

بينما تذهب تحليلات اخرى الى مستوى اعمق الاستنتاج، وترى ان الهدف من عمليات الذبح والتمثيل بالجثث توصيل رسالة مفادها نقل صورة ذهنية لما يحدث في مناطق المتطرفين الدواعض والقاعدة وغيرهم وأنهم موجودون في السودان الى جانب الجيش بالتالي فإن المجتمع الدولي والاقليمي وخوفا من انتصار هذا الفريق سيعمل على ارائهم من خلال الحرص على تسوية تضمن وجود من يقفون خلفهم في المشهد وبالتالي يجد الاسلاميون انفسهم جزء من المشهد مرة اخرى بموافقة اقليمية ودولية، بالتالي فإن تلك الممارسات تخدم خط التصعيد الذي يقوده فلول النظام المباد عمليا عبر لافتة الجيش.

محاولات وأد الثورة:

وعلى خلفية ذلك يقول الباحث السياسي دكتور حامد تورشين ل” راينو “إنه ومنذ بداية الحرب لم يلمس أي جدية من الجيش أو قوات الدعم السريع للانخراط في أي عملية سلمية، وبروز هذه التصريحات الغرض منها رفع الروح المعنوية لجنود القوتين ولأن الروح المعنوية مهمة في الحرب لذا؛ اختار الطرفان هذا الخيار لحشد همم الجنود.

ويشير تورشين إلى أن الجيش يعرف أن أنصاره وداعميه ربما يتراجعون في حال أي حديث عن خيار سلمي، حتى الدعم السريع وشركائه الاقليميين والدوليين يناورون باستمرار الحرب. وفي هذه الحالة لم يستبعد تورشين استمرار الحرب لوقت طويل باعتبار أن السودان ليس استثناء من المحيط سواء كان في ليبيا أو الكونجو أو إثيوبيا أو اليمن، وقال” أنا أؤكد أن الذي يحدث في السودان هو حدثا استراتيجيا لوأد ثورة ديسمبر ووأد التغيير الديمقراطي فيه، لأن المنظومة الإقليمية التي تدعم الدعم السريع والتي دعمت الجيش في مرحلة من المراحل مصلحتها أن يظل السودان دولة فقيرة وضعيفة ومنهارة حتى تحقق مصالحها ولا يمكن أن يقبلوا بأي تحول مدني في السودان، لذا؛ من المتوقع أن تستمر الحرب حتى يتم إضعاف السودان “.

دعم لوجستي:

مواقف طرفي العمليات العسكرية على أرض المعركة ستؤثر بشكل مباشر على مواقفهما في أي طاولة المفاوضات، بجانب الاستمرار في الحرب والرغبة في تحقيق النصر على الأرض لا يتركان أي فرصة لنجاح المفاوضات، وهو ما يشير اليه الخبير الأمني محمد يس ويؤكد في حديثه ل” راينو “إن التصعيد الإعلامي بين الطرفين وإعلان كليهما استمرار المعركة ورفض مواصلة التفاوض والحل السلمي، يأتي في سياق استناد كل طرف على نقاط القوة التي يراها، وحصول الطرفين على الدعم اللوجستي، لكنه استبعد أن تنتهي هذه الحرب عسكريا متخوفا في الوقت ذاته من التداعيات الخطيرة لذلك على الشعب السوداني والسودان نفسه وبنياته التحتية.

ويشهد السودان عمليات حربية طاحنة منذ إبريل 2023‪ بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها أكثر من 13 ألف من المدنيين بجانب تدمير البنى التحتية للدولة، وما يزيد على 7 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.‬

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *