نشأة وتطور مسألة التغريب والدمغ ب”الأجنبية” في السودان.

184

 

محمد علي مهلة ..

نشأة وتطور مسألة التغريب والدمغ ب”الأجنبية” في السودان.

 

ان مسألة تغريب بعض المواطنين السودانين، وفقا لانتماءهم القبلي، ودمغهم بالأجنبية. هي مسألة بدأت في الأربعينات من القرن الماضي، وتطورت حتي صارت أيدولوجيا لها سياسات وقوانين، أستخدمتها المجموعة الاولي من الأفندية الذين ورثوا البلاد من المستعمر، وعملوا عبرها علي حرمان بعض المجتمعات السودانية من المشاركة العادلة في امتياز السلطة والثروة، فميزوهم عنصريا، وحرموهم من حقوق المواطنة المتساوية؛ كالانتماء لبلادهم، التملك، التوظف، والتطور وفق شروط عادلة للتنافس بين الأفراد وفقا للكفاءة . وإلي الآن هنالك من يستخدم أيدلوجيا ” الأجنبة والتغريب ” لنفس أغراض الهيمنة والاقصاء والحرمان.حتي بعد حرب 15 أبريل التي دمرت السلطة المركزية، ورمزياتها القديمة.

بعد أن أكمل الافندية الأوائل مشروع إقصاءهم لمجتمع المحررين من الرق من المشاركة العادلة في الفضاء العام، وفي امتياز السلطة والثروة وتقرير مصير البلاد، وذلك عبر هندسة المؤسسات العسكرية والسياسية والثقافية حينها. وجد أؤلئك الأفندية أنفسهم أمام معضلة مواجهة أخري، تخص مجتمع العمال الزراعيين بمشروع الجزيرة، بعد التطورات التي حدثت بالمشروع في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات، وهي فترة الكساد العظيم الذي وصلت فيه أسعار القطن إلي أدني مستوي لها . فتهرب المزارعين عن مواصلة زراعة القطن لمصانع لانكشير البريطانية. وحينها بدأت عملية تمليك مجتمعات العمال الزراعيين للحواشات حتي بلغوا الثلاثة ألف مزارع، وحينها بدأ صراع امتياز التمليك والتوظيف، فبدأت مجموعة الأفندية المتأهبة لوراثة المستعمر بالكامل، في تفصيل سياسات وقوانين لحرمان مجتمعات العمال الزراعيين من هذه الحقوق، فأصدر مكي عباس مكي مدير مشروع الجزيرة قرارين من إدارة المشروع : الأول هو عدم توريث ملكيات الحواشات لأبناء أؤلئك الذين مُلِكوا لها في السابق وهم من مجتمعات العمال الزراعيين، والقرار الثاني: هو الا يوظفوا بوظيفة بها راتب بالمشروع . ومنها تخمرت فكرة صياغة القانون العنصري للجنسية السودانية، والذي أصبح إحدي أدوات مصادرة حق المواطنة لكثير من السودانين، عبر لوائحه الداخلية التي تفرق بين السودانين علي أسس اثنية وقبلية، وتحيل حق مواطنتهم للقبائل، لا لوجودهم الشخصي الفردي. لذلك فان ايدولجيا التغريب والدمغ بالأجنبية تأسست علي واقع صراع اجتماعي أثني وطبقي حول التوزيع والمشاركة العادلة في امتياز السلطة والثروة .

لذلك نجد أن مجتمعات الهوسا والبرنو والبرقو هم الضحايا الأوائل الذين تحملوا عبء السياسات والقوانين والقرارات العنصرية، باعتبار ان منهم النواة الأولي للعمال الزراعيين، الذين طُبقت فيهم سياسات وقوانين التمييز العنصري، قبل أن يلحق بهم المُغّربون الآخرون ممن عرفوا بالسواكنية، التاما، الزغاوة، البني العامر، الحباب، السلامات واولاد راشد، وأخيرا الرزيقات والمسيرية، وكل مجموعات عرب الابالة والبقارة التي تم تصنيفها بأنها حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع، بعد حرب 15 ابريل. كل مجموعة لها اطار وواقع معين، يتم فيه دمغ أفرادها بالأجنبية، وفقا لوقائع صراع امتياز السلطة والثروة. وواحدة من أدواته قوانين وإجراءات الأوراق الثبوتية منذ قانون 1948 وما تلاه من قوانين وقرارات وسياسات.

محمد علي مهلة

6 مايو 2024

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *