البشير العريفي يكتب: استهداف القبائل وتوزيع صكوك الوطنية.
لا زال المركز يمارس كل ألاعيبه في سبيل استهداف بعض القبائل التي تمثل برأيه حواضن اجتماعية للدعم السريع. وذلك بوصفها راعية ومصدرة للعنف، وهي سبب الدمار والخراب الذي لحق بالوطن. مع أننا نعلم جيدًا من هم تجار الحروب والأزمات طيلة فترة تاريخ السودان الحديث. فمنذ خروج المستعمر من السودان وإلى اليوم، ظلت حكومات المركز تدير الحروب في مناطق طرفية بعينها، وذلك من أجل تثبيت أركان حكمها من خلال خلق الصراعات العرقية، وحتى ينشغل الناس بقضايا تدفعهم لقتال بعضهم البعض، بدل عن الاهتمام بشؤون الحكم، والانتباه لدور هذه في الحكومات في زرع الفتن فيما بين بينهم. فوق ذلك، ظلت حكومات المركز تستهدف كل من حاول الخروج عن نظامها السياسي والمطالبة بحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فمن يخرج عن النظام يصنف في مكانة الخائن للوطن، وأجنبي لا صلة له به، وفي نفس الوقت يجري استهداف القبائل التي ينتمي لها المعارض لسياسة المركز.
من أجل أن تحافظ السلطة المركزية، التي ظلت تدير السودان لصالح فئات محددة، على مكانتها، استخدمت عدة وسائل منها: زرع الحروب بين القبائل، وقصف القرى أثناء حرب دارفور بالطيران، وكما يحدث حاليا بعد حرب الخامس عشر من أبريل، بالإضافة إلى تركيز التنمية في مناطق بعينها على حساب هامش السودان كله. وفي نفس الوقت تستهدف قبائل لها تاريخ وإرث حضاري وثقافي عميق الجذور في الدولة السودانية. إنها اليوم تستهدف كل من ينتمي للمجموعات العربية في دارفور وكردفان، كما حدث ذلك سابقا مع أفراد قبيلة “الزغاوة”، حيث تعرض المدنيون منهم للتعذيب والتصفية والاختفاء القسري، وذلك بعد عملية “الزراع الطويل” في العام ٢٠٠٨م.
بهذه السياسات الجزافية للحفاظ على السلطة، فقد السودان أكثر من (٢) مليون في حرب الجنوب، تم استهدافهم عرقيا. وسقط أكثر من (٣٠٠) ألف في حروبات دارفور نتيجة للاستهداف العرقي أيضا. وحين خرجت الحركات المسلحة ضد سياسات الحكومة المركزية، وصفت قيادتها في ذلك الوقت بالارتزاق والخيانة واعتبرت حربهم ضد الدولة حرب وطنيين في مقابل غزاة. بل وشملت الاتهامات القبائل التي تنحدر منها هذه القيادات. وهي قبائل أسست ممالك وسلطنات أقدم من السودان الحديث نفسه.
ومع حرب الخامس عشر من أبريل شهدنا استعادة حرفية لما كان يحدث إبان حرب دارفور. إذ هناك قبائل تم استهدافها بالطيران وشوهت قيمها، وسحبت الجنسية منها، واتهمت بالأجنبية، وكل ذلك بحجة أنها تمثل حواضن للدعم السريع. وهذا بالضبط ما حدث للقبائل التي خرجت منها جماعات مسلحة في السودان. مما يوضح أن التفكير المركزي تفكير مأزوم حتى في أساليب دعايته الحربية.
ولكن إذا كانت القبائل التي تمثل حواضن للدعم السريع مجرد عميلة وخائنة وربما أجنبية، كيف نفسر وجود أشخاص مثل “عبدالحميد موسى كاشا” و “والضيف عليو” ضمن أجهزة الدولة، ومتواجدين في مناطق سيطرة الجيش؟ وبطبيعة الحال هم جزء من القبائل المتهمة بمناصرتها للدعم السريع. إن حكومة الأمر الواقع – وهي مجرد امتداد طبيعي للحكومات المركزية في تاريخ السودان- لها أسلوب محفوظ ومكرر، فحين تناصر توجهات النظام وتصبح عبدا له، فأنت “مواطن سوداني أصيل”، وحين تختلف معه، فلن تكون كذلك، بل ستصبح مجرد غازي أجنبي. وهذا ما تسبب في كسب حكومة البرهان لعداء جهات واسعة في السودان، وذلك من خلال استهدافهم وتصنيف المدنيين منهم كدعم سريع.
يحدث استهداف المدنيين بواسطة الجيش، رغم أن قوات الدعم السريع ليست قبيلة وإنما قوات نظامية تم تأسيسها بشكل قانوني. وتضم كل سكان السودان، ولا يوجد في الممارسة أو السلوك داخل المؤسسة ما يثبت ان قوات الدعم السريع عباره عن قبيلة بعينها.
إن ممارسات السلطة المركزية، والتي تستهدف إدانة بعض القبائل التي تنحدر من غرب البلاد، ستعود عليها بالخسارة، وذلك لأنها تكسب عداء مجموعات سودانية كان يجب أن تصبح السلطة مسؤولة عنها وساهرة على أمنها، بالإضافة إلى منحها الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن سوداني. لكن لم تتفطن حكومة بورتسودان لذلك، وإنما ظلت تستعدى مجموعات “قديمة قدم السودان نفسه” كما كتب الوليد مادبو سابقا.