تخبط وإرتباك .. وإنقسام متجذر يضرب هرم قيادة الجيش .!!

73

الخرطوم: بلو نيوز الإخبارية-

إنقسام عميق يضرب هرم قيادة الجيش السوداني، الذي يمر بحالة من التخبط والارتباك، بسبب التصريحات المتضاربة، والمواقف حول قضايا وقف الحرب الدائرة في السودان.

ومنذ خروج قائد الجيش “البرهان” من القيادة العامة، بدأ واضحاً انه متأرجحاً في المواقف، بين “التفاوض، والحل العسكري”، ولا يمتلك القرار حول عملية إنهاء الحرب، وفي إطار جولاته الداخلية والخارجية، أظهر “البرهان” مواقف غير ثابتة، ومتخبطة، ومتناقضة، حتى مع المجتمع الإقليمي، والدولي، مما جعل الجميع، في الداخل، “من المواطنين، والتظيمات السياسية، وحتى القوات المسلحة نفسها، والخارج، من ” المنظمات والجهات الإقليمية والدولية”، يتشككون في تصريحاته، ومواقفه التى يطرحها، ويعتبرونها “تصريحاته” متخبطة تندرج في إطار “بروبغندا” دعائية للحفاظ، كرسيه، وعلى اظهار تماسك قوات الجيش.

وفي الوقت الذي يستمر فيه قائد الجيش “البرهان” في حالة التخبط والهرج والمرج، ظهر الفريق ياسر العطا، نائب القائد، فجأة ولأول مرة بعد أن كان مختفياً، وصامتاً طوال الأشهر الأولى للحرب، وبدأ متشدداً ومشاتراً في الحديث، وهاجم الحركات المسلحة التى إتخذت موقف الحياد، ووجه ليها تحذيراً أما بالانخراط في الحرب مع الجيش أو العودة إلى وطنهم الآخر “تشاد”، وكذلك شن هجوماً ضد قوى سياسية ومدينة، خاصة الحرية والتغيير، وموجهاً اتهامات لدول مثل تشاد، وليبيا والإمارات، وكينيا، وأوغندا، وأعلن رفضه لأي عملية سلام، واعلان تمسكه بإستمرار الحرب، ودعا لتسليح الشعب السوداني، تحت مسمى المقاومة الشعبية المسلحة، ..إلخ.

وعلى ذات الصعيد، ظهرت أيضا تصريحات اخرى متضاربة، ومتناقضة، من “الكباشي، وجابر، ومالك عقار”، نائب رئيس مجلس السيادة، وهي توضح مدى التباين والخلاف، والتخبط، والإرتباك داخل قيادة القوات المسلحة السودانية.

وتشير دوائر سودانية، إلى إن التضارب الحاصل يعكس بوضوح، عدم إمتلاك قيادة الجيش لرؤية واضحة، حول مآلات الحرب الدائرة منذ “15” أبريل 2023، بين الجيش، والدعم السريع، وذلك بسبب تعدد مراكز إتخاذ القرار داخل القوات المسلحة، ووجود تعارض في الأهداف وتضارب في المصالح الشخصية بين قادة الجيش، تعلو على أهداف القوات المسلحة السودانية، وهى تعتبر أحد أهم الأسباب التى أدت إلى فشل منبر جدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتحقيق السلام في السودان.

وقالت الدوائر، أن أكثر الأدلة التي تشير إلى تعدد مراكز إتخاذ القرار داخل القوات المسلحة، وتؤكد وجود تعارض في الأهداف وتضارب في المصالح الفردية بين قادة الجيش، وتثبت سيطرة التنظيم الإسلامي للنظام السابق داخل الجيش على قرار القوات المسلحة، هو من بعد إفشال منبر “جدة”، مواقف الفريق شمس الدين كباشي، نائب قائد الجيش، الذي تم إيفاده قبل فترة إلى “المنامة” عاصمة البحرين، لعقد إجتماعات مع قائد ثاني الدعم السريع، “الفريق عبدالرحيم دقلو”، ولقد ظهر الكباشي حينها كباحث لوقف الحرب، وتحقيق السلام، واتفق مع قائد ثاني الدعم السريع على عدة نقاط، بحضور اطراف دولية، إلا أنه سرعان ما عاد وتنصل عن عهده، وصرح في مناسبات عديدة مشجعاً على إستمرار الحرب، ومتوعداً بدحر ما اسماهم “بمليشيا الدعم السريع”.

وعلى نفس النهج، قام مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، بجولة أفريقية، لبحث عن حلول وقف الحرب، وتحقيق السلام، وقال في تصريح صحفي، أبان زيارته أوغندا، انه اتفق مع الرئيس “موسفيني” على خطة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، سيتم الإعلان عنها خلال أيام قليلة، وأكد أن حكومة السودان راغبة في إنهاء الحرب وساعية إلى تحقيق السلام، وفي نفس الوقت عاد “عقار” وهاجم الدعم السريع، ووصفها بأنها أداة بيد قوى تريد احتلال السودان، وقال إن الحرب الحالية تُعتبر حربا استعمارية تستهدف السودان والمواطنين السودانيين.

  • خلافات وتباعد الرؤى بين قادةالجيش:

البداية كانت في سلاح المهندسين، حيث أحرج “العطا” قائد الجيش “البرهان” الذي يحرص دائما على إنكار حضانة الجيش للفلول والإسلاميين، وأقر “العطا” صراحة ان الإسلاميين يقاتلون إلى جانب الجيش، وايضا في وقت سابق، اضطر قائد الجيش “البرهان” للاعتذار للرئيس الكيني وليم روتو، على تهديد ووعيد ياسر العطا لبلاده، وأوضح له انه موقف لا يمثل رأس الدولة.

وتصاعدت حدة الخلافات بين قيادة الجيش، وتفجرت بشكل أكثر وضوحاً، عقب تصريحات “العطا” المشاترة ضد قوى سياسية ومدنية سودانية، واتهاماته لعدة دول بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع، دون مراعاة للاسس والاعراف الدبلوماسية.

وأكدت مصادر عليمة، وجود خلافات حادة بين قيادة الجيش، على توجه “ياسر العطا” وتصريحاته المشاترة، ووميله للإسلاميين وفلول النظام السابق، واضافة؛ ان “الكباشي”، وعدد من قادة الجيش، بالإضافة إلى مالك عقار، يرون ضرورة ان يلتزم “العطا” بتصريحات منضبطة، ومسؤولية، خاصة حول مشاركة الإسلاميين مع الجيش، واتهامات الدول، وقالوا ان القوات المسلحة السودانية ليست في حاجة لفتح جبهة خلافات ومشاكل اخرى مع دول، وقوى سياسية سودانية، واشاروا إلى أن الخلافات بين السودان والإمارات وتشاد، كانت بسبب تصريحات “العطا”.

وكشفت المصادر؛ ان “الكباشي” وعدد من قادة إستخبارات الجيش، عقدوا اجتماعا خاصة ب”ياسر العطا”، واتفقوا على ضرورة الضغط عليه بعدم اقحام خلافاته الشخصية مع قوى سياسية ومدنية ودول، في تصريحاته امام قوات الجيش والفرق العسكرية، وباسم القوات المسلحة والدولة، واقاموا بإصدار توجيهات إلى الإستخبارات بعدم تصوير وبث اي مقاطع لخطاب الفريق ياسر العطا يحمل حديث غير مسؤول واتهامات ضد قوى سياسية او جهات اقليمية ودولية، خاصة في قاعدة وادي سيدنا العسكرية او اي مقرات عسكرية، الا ان هناك بعض الضباط لم ينفذوا التوجيهات، وقاموا بتسريب ونشر عدد من مقاطع مسجلة لتصريحات “العطا”.

وكشف “العطا” عن خلاف عميق بينه و”الكباشي”، وذلك عندما شددت “الكباشي” في حديث له بمناسبة تخريج قوات من حركة “مناوي” بالقضارف، على عدم التسليح العشوائي وسحب السلاح من المستنفرين مايسمي بالمقاومة الشعبية، حذر “الكباشي” من خطر المقاومة الشعبية المسلحة التي تعمل خارج إمرة القوات المسلحة، مشددا على عدم استغلال المعسكرات النظامية من قبل أي حزب سياسي برفع شعارات بخلاف التي تعبر عن قومية القوات المسلحة، وبدا واضحا أن حديث نائب قائد الجيش موجه إلى التنظيم الإسلامي الذي يقاتل تحت مظلة الجيش، في المقابل انتقد “العطا” في تصريح له حديث “الكباشي”، ودعا في افطار رمضاني ضم مسؤولين إداريين في ولاية الخرطوم، كل المواطنين بالانضمام الى المقاومة الشعبية وحمل السلاح، وان لا نسمع أي أقوال سلبية (هنا وهناك)، عن المقاومة الشعبية وأردف: “إنها كلمات تذروها الرياح”، وقال “العطا” هنالك من يكبل دولاب الدولة ولابد من ازالة كل العوائق”، وأضاف: “كل من يقف أمام الدولة يجب ان يذهب غير مأسوف عليه”، وشدد قائلا؛ لن ترهبونا بعبارة “فلول”، وانا كوز وشيوعي وجن أحمر، مضيفاً؛ ان “المقاومة الشعبية ستكتب تاريخا جديدا للسودان، وأن القيادة مستمرة في تسليح كل المستنفرين بكافة أنواع التجهيزات القتالية والأسلحة”، كما قام “العطا” خلال زياراته لعدد من الولايات، بتوجيه ولاة الولايات بترتيب المستنفرين، وقال خلال تصريحات نشرتها الصفحة الرسمية للقوات المسلحة وقتها “يجب ترتيب المستنفرين في شكل كتائب على أن تكون كل كتيبة على رأسها سرية من قدماء المحاربين”.

  • إجتماع “البرهان وكباشي والعطا وابرهيم جابر”: 

عقب تصريحات “العطا” دعا الكباشي إلى اجتماع عاجل، يضم “البرهان والعطا وكباشي وجابر”، وتم عقد الاجتماع بحضور الثلاثي، ومشاركة “العطا” عبر “الفيديو”، وناقش الاجتماع، موضوع المستنفرين، ومشاركة الإسلاميين مع الجيش، وكذلك موضوع التفاوض، واخذ “الكباشي والعطا”، غالبية زمن الاجتماع، وشدد “الكباشي” على ضرورة أبعاد الإسلاميين من الجيش، وضبط عملية تسليح المستنفرين، والرجوع إلى منبر التفاوض، بينما رفض “العطا” كافة مقترحات “الكباشي”، وتمسك بمشاركة الإسلاميين بكل واجهاتهم وتسليح المستنفرين وكل من يريد حمل السلاح من المواطنين، وأكد رفضه التام لمفاوضات جدة، واي منبر اخر التفاوض مع قوات الدعم السريع، وتدخل البرهان لتهدئة الرجلين، وطالب بضرورة توحيد مواقف القوات المسلحة السودانية وتماسكها، ولم يبدي رأياً واضحاً حول مشاركة الإسلاميين، وتسليح المستنفرين، والعودة إلى التفاوض، وإنما أكتفي بحديث سياسي معمم، بينما اتفق جابر مع الكباشي في موضوع ضبط تسليح المستنفرين، والذهاب إلى منبر التفاوض، قائلا حتى لا يتم تصنف موقفهم من قبل المجتمع الدولي بأنهم ضد عملية التفاوض والسلام، وشهد الاجتماع تباعد كبير في الرؤى، وانتهى دون الوصول إلى رؤية متفق حولها.

  • مراقبين..

وأكد مراقبين، أن التناقضات، تأتي في إطار الصراع، وتباين المواقف، وتعارض الأهداف وتضارب المصالح بين قادة الجيش من جه، وتنظيم الاخوان المسلمون التابع للنظام السابق داخل القوات المسلحة، من جه أخرى، والذي يمثله “العطا”، وان طابع “العطا”، يتجلى من خلال علاقته بالتنظيم الإسلامي للنظام السابق داخل الجيش، والذي يراهن على “العطا” لأسباب معلومة، وأن مواقفه الرفضه للتفاوض، والداعمة لتسليح المواطنين واستمرار الحرب، هي تمثل مواقف التنظيم الإسلامي للنظام السابق داخل القوات المسلحة السودانية.

  • تيارات واسعة داخل الجيش:

وأشار الباحث في الشأن الافريقي، والمحلل السياسي، الدكتور لطفي زهران، إلى أن هناك تيارات واسعة للإسلاميين من النظام السابق، داخل المؤسسة العسكرية السودانية، وهي لها تأثيرات كبيرة داخل الجيش، بالإضافة إلى مجموعات الإسلاميين المستنفرين، وهؤلاء هم الذين يسيطرون على قرارات الجيش السوداني، وسير الحرب في السودان.

وأضاف “زهران” ان المتفحظ للواقع يجد ان جميع قيادات ما يسمى ب”المقاومة الشعبية” هم أعضاء في النظام الإسلامي السابق، وكانوا كوادر وقيادات في كتائب الأمن الشعبي التابع له، لذلك أن غالبية المستنفرين هم من عضوية التنظيم الإسلامي السابق.

وأردف “زهران” قائلا؛ ان الجيش السوداني ليس به وحدة عسكرية تسمى بقوات العمل الخاص، وإنما يوجد وحدة القوات الخاصة، وقوات العمل الخاص في حقيقة الامر، هي مجموعة من كتائب الظل التى تتبع للنظام السابق، وتضم المجاهدين المتشددين، ومجموعات الدبابين الذين كانوا يقاتلون في حرب الجنوب، بالإضافة إلى عناصر هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، والذي تم حله في أواخر العام 2020، مضيفاً؛ ان هؤلاء هم الذين يخوضون الحرب، ويقاتلون الآن ضد قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وهم الذين دخلوا مقر الإذاعة والتلفزيون، ومناطق في مدينة أمدرمان.

وقال “زهران” ان مجموعات حركات دارفور المسلحة التى إنحازت لقوات الجيش، لا تمتلك رؤية، وليست لها اي أهداف واضحة تقاتل من أجله، ولم يكن إنحيازها إلى جانب قوات الجيش عن قناعة، وإنما تحركها مجموعة مصالح ذاتية بحتة، وهذه الحركات ليست محل ثقة لدى قادة الجيش السوداني ومجموعات الإسلاميين المتحالفة معه، ومن المتوقع حدوث خلافات بينها وقادة الجيش في القريب العاجل، وربما تقود إلى مواجهات وصدامات عسكرية مسلحة مع الجيش.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *